الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن نهج وسار على هديه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العلم بأحكام الله أمر ضروري على كل مسلم ومسلمة، في كل ما لا يسعهما جهله؛ ليسيرا في عبادتهما لربهما على هدى وبصيرة.
ولا يمكن للإنسان المسلم أن يفهم دينه ويعمل به، إلا إذا عرف أحكامه، وأولاها اهتمامه وعنايته، وبذل جهده وطاقته للإلمام بها؛ لتكون عبادته لربه بنيت على أساس صحيح ومتين، ومن وفقه الله لمعرفة أحكام هذا الدين والأخذ بها، فقد هدي إلى صراط الله المستقيم، وحصل على خير كثير.
يقول الله سبحانه: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ[البقرة:269] قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: “قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء [البقرة:269]؛ يعني: المعرفة بالقرآن: ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعًا: “الحكمة القرآن؛ يعني تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر” رواه ابن مردويه. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: يعني بالحكمة: الإصابة في القول، وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن، وقال أبو العالية: الحكمة: خشية الله، فإن خشية الله رأس كل حكمة، وقد روى ابن مردويه عن طريق بقية، عن عثمان بن زفر الجهني، عن أبي عمار الأسدي، عن ابن مسعود مرفوعًا: رأس الحكمة مخافة الله.
وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة: الكتاب والفهم، وقال إبراهيم النخعي: الحكمة: الفهم، وقال أبو مالك: الحكمة: السنة، وقال وهب عن مالك: قال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل، قال مالك: إنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك، أنك تجد الرجل عاقلًا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا بما يؤتيه الله إياه، ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله “. اهـ كلام ابن كثير رحمه الله.
ولكي ندرك أهمية الفقه في دين الله، وأنه نور لحامله، والعامل به في الدنيا والآخرة، ولكي ندرك أهميته وجدواه، نجد النبي ﷺ يقول: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين متفق عليه، ويقول عليه الصلاة والسلام: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فنفع الله به الناس؛ فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به رواه البخاري ومسلم.
لا تعليق