بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا محمد بن عبدالله، إمام الدعاة إليه، صلى الله وسلم وكرم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر الله على ما من به من هذا اللقاء لأخوة في الله، للتناصح والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير، وبيان أهداف هذا الحج العظيم والركن الخامس من أركان الإسلام؛ ليعلم المؤمن أهداف هذه العبادة ومقاصدها، فيكون لها أشوق، وفي أداء المناسك أرغب، ويسأل ربه المزيد من كل خير، والعون على كل خير، والقبول لعمله، ثم أشكر القائمين على هذا النادي الأدبي، وعلى رأسهم صاحب الفضيلة معالي الدكتور راشد الراجح على دعوتهم لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يجزيهم عن ذلك خيرًا، وأن يضاعف مثوبتهم، وأن يتقبل منا جميعًا أعمالنا وأقوالنا، وأن يعيينا على كل خير، وأن يوفق جميع المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الأخوة في الله: الحج له أهداف عظيمة ومقاصد متنوعة وفيه منافع عاجلة وآجلة، منافع في الدنيا والآخرة، من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك، كل شرائعه سبحانه فيها الخير العظيم والمنافع الجمة للعباد في عاجل أمرهم في هذه الدنيا، من صلاح القلوب، واستقامة الأحوال والرزق الطيب، وراحة الضمير، إلى غير ذلك، مع ما في ذلك من العاقبة الحميدة، والفوز الكبير بدار النعيم، مع النظر إلى وجهه جل وعلا، والفوز برضاه.
ومن ذلك الحج، وهو عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد؛ لما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتب عليها من خير في الدنيا والآخرة، وهي عبادة فريضة على جميع المكلفين في أقطار الدنيا، رجالًا ونساءً، إذا استطاعوا السبيل إليها، كما قال جل وعلا: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] ، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ قال: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[1]. فهذه الدعائم الخمس هي أركان الإسلام وهي عموده التي يقوم بناؤه عليها، وكان فرضه في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة.
وفي صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله تعالى عنه في سؤال جبرائيل عن الإسلام والإيمان قال له عليه الصلاة والسلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا[2].
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه[3]. وهذا يعم الحج والعمرة جميعًا.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة[4]. هذا من مقاصد الحج ومقاصد العمرة، فمن أداها على الوجه المرضي كان جزاؤه الجنة والكرامة وغفران الذنوب وحط الخطايا.
ويا لهذا الهدف من خير عظيم وفضل كبير. إن من أتى هذا البيت مخلصًا لله جل وعلا يريد وجهه الكريم، من قريب أو بعيد، ثم أدى هذا الحج على وجه البر لا رفث فيه ولا فسوق، فإن الله جل وعلا يكتب له به الجنة وغفران الذنوب، وهكذا العمرة، يقول: من أتى هذا البيت، ويقول ﷺ: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
هذا الهدف العظيم لقاصدي هذا البلد المبارك هو مطلب كل مؤمن وكل مؤمنة، الفوز بالجنة والنجاة من النار وغفران الذنوب وحط الخطايا، والله جل وعلا أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أنه دعا لأهل هذا البلد، فقال جل وعلا على لسان خليله إبراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ [البقرة:129]، واستجاب الله هذا الدعاء، فبعث خليله محمدا عليه الصلاة والسلام، في هذه الأمور التي بينها، يتلو عليهم كتاب الله المنزل، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنة، ويزكيهم بما بعثه الله به من الأخلاق العظيمة والعبادات الرفيعة المتنوعة، ويطهرهم من الأخلاق الذميمة والصفات المنكرة.
فالإسلام طهرة لهم وزكاة لهم من جميع أعمالهم وجميع أخلاقهم المنحرفة، وتوجيه لهم إلى طيب الأعمال وزكي الأعمال، ومن ذلك الحج.
والله بعث محمدًا وسائر الأنبياء بما فيه طهارة القلوب وطهارة الأعمال، وصلاح القلوب وصلاح الأعمال، وصلاح الأخلاق.
فمن الزكاة والطهرة إقام الصلوات كما شرعها الله، وأداء الزكاة كما شرعها الله، وصوم رمضان كما شرعه الله، وحج البيت كما شرعه الله، وهكذا أداء بقية الأوامر مع اجتناب النواهي.
لا تعليق